كم حرك في هذا النموذج الذي رسمه الدكتور جاسم سلطان الكثير من الأسئلة ..
كنت في السابق أرى أن الصحوة هي النهضة , وأننا بوصولنا للصحوة نكون قد وصلنا لمرحلة تمكننا من إعادة العزة للاسلام ..
لكنني أدركت لاحقاً أن هناك قضايا أكبر من قضية الصحوة , وأنها ليسا المخرج النهائي للمشاكل التي كنا ولازلنا نعاني منها في واقعنا ومحيطنا اليوم ..
وأن الصحوة ما هي إلا مرحلة من مراحل النهضة لا ينبغي الوقوف عندها والمراوحة في نفس المكان ..
للأسف هذا ما أراه اليوم واضحاً جلياً في الواقع الاسلامي , فالكل مستبشر بالصحوة “المباركة” , والكل يظن أنها هي المنقذ من حالة التخلف التي نعيشها اليوم على كافة الأصعدة ..
للأسف هذا الخلل في التفكير من وجهة نظري سبب عائقاً لنهضة الأمة أكثر من كون الصحوة من المفترض أن تكون عاملاً دافعاً لعجلة النهضة , ولذلك أصبحت اليوم الكثير من الحركات الاسلامية بأطيافها تراوح في هذا المكان منذ سنوات دون أن تتضح لها الرؤية التي تقودها إلى المرحلة اللاحقة ..
فالكل يدور في فلك (الالتزام – التربية) ثم ماذا ؟؟؟ (الالتزام – التربية)
الذي يعيش في أوساط الصحوة (سرورية – إخوان – تبليغ – …..) يرى بأن هذه أكبر القضايا التي تشغل بالهم اليوم , فالمنضم لأي من أطياف الصحوة لن يجد في أجندتها شيء سوى هذه المعادلة (إلتزام ديني “مظهري أحيانا” – تربية – ما بعد التربية)
الإلتزام الديني :
تحرص الأجواء الصحوية في بداية استقطابها للمريد أن تشعره بأريحية الأجواء , من غير اشارة للالتزام لا من قريب ولا من بعيد في فترة تسمى فترة (التعارف والتآلف) تسود فيها البرامج الترفيهية حتى يكون هناك تقبل لاحقاً للبرامج الجادة التي تبدأ في الضرب على وتر التدين لدى الشخص لكي يصبح (شخص ملتزم) وعلامة الالتزام هي (تربية اللحية وتقصير الثوب) , ومهما كان الانسان صالحاً ومحافظاً فيبقى في نظر الكثير (غير ملتزم) لافتقاده (مظهر من مظاهر التدين الشائعة في السعودية فقط) ..
كنا اذا سألنا عن شخص أو سُئلنا عنه في بداية معرفتنا به نجيب أو نتلقى الجواب بأنه (ملتزم) استناداً على قصر ثوبه وطول لحيته , على الرغم من جهلنا به تماماً ..
وغالباً ما يكون هذا هو الهدف الأول الذي تسعى إليه كافة المناشط الصحوية في بداية استقطابها للأفراد ..
التربية :
وتلك هي المرحلة الأكثر برامجاً والأكثر ثراء من ناحية الكم والتي يتلقى فيها الشخص البرامج التي (تقوم سلوكياته الخاطئة وتعزز السلوكيات الجيدة لديه) وتشتمل على البرامج (الإيمانية الروحية – السلوكية الأخلاقية) وهي المرحلة التي تبقى ولا تنتهي أبداً في تكرار عجيب للبرامج بنفس الأساليب – غالباً – مع تعدد شرائح المتلقين وأحياناً كثيرة تتكرر أيضاً (نفس المواضيع) ..
وهذه المرحلة التي يصر (أبناء الصحوة) على أن الكل لابد أن يمر بها حتى يعمل للاسلام في نهاية الأمر – وإن كان الوضع قد تغير نوعاً ما مؤخراً – لكنها لازالت من الثوابت التي لا ينبغي تجاوزها , وهي للأسف مرحلة عائمة غير محددة لا بوقت ولا بضوابط ولا بمؤشرات ..
ما بعد التربية :
تأتي هذه المرحلة كمرحلة مكملة للمرحلتين السابقتين فالناتج يكون أحد هؤلاء :
– شخص ملتزم ويصلح للتربية : هذا يعود لكي يمارس نفس الطريقة السابقة ولكن على شرائح جديدة وقد يكون في أماكن جديدة إن لم يتسن له العمل في نفس المكان ..
– شخص ملتزم ولكن غير مربي : يوجه إما للأعمال الخيرية أو المهام التي لا تتطلب تربويات (مهام ادارية – تنسيقية ….)
– شخص غير ملتزم وغير مربي : يهمل تماماً في الأجواء وسيان حضوره وغيابه إن لم يجد نفسه أصلاً خارج هذه الأجواء بقدرة قادر ..
– فئة مختلطة من الفئات السابقة : تصبح همومها شخصية بعيداً عن الأجواء الجماعية , فإما أن تبدأ مشاريعها الشخصية , وإما أن تنشغل بهمومها الخاصة ..
هذه الدورة اللامتناهية في عالم “الصحوة” اليوم هي التي كان الدكتور جاسم سلطان يحاول أن يزيل الغمة التي تكتنفها , فرمي بالتخريب وبالتنظير , وأصبح “عدو التربية الأول” فقط لأنه أثار الكثير من التساؤلات التي ليس لها أجوبة واضحة من قبل الذين يعملون للاسلام وهم نتاج “الصحوة المباركة” ..
من هذه الأسئلة سؤاله عن (التربية) وهل هي شرط لازم لكي يعمل الانسان في النهضة .. ؟؟؟؟
اقرأ ما كتبه هنا (رسالة التربية الفعالة)
والسؤال ..
هل لازلنا نرى أن (الصحوة) هي نهاية المطاف .. ؟؟؟؟
وهل أدبياتها اليوم وآليات عملها ممثلة في الأطياف الكبرى ستقود إلى نهضة الأمة .. ؟؟؟؟
لست أحصر نهضة الأمة على أحد لكنني أرقب تحركات هذه الكتل الكبيرة في المشهد العام للصحوة “المباركة”